بقلم الدكتور عبد الودود نفيس
في كل عام، تحتفل الأمة الإندونيسية في الثاني والعشرين من أكتوبر بيوم الطلاب (يوم السانتري) كجزء من التقدير لدور طلاب العلم والعلماء في الكفاح من أجل استقلال البلاد. ولكن يوم السانتري ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو فرصة للتأمل في المعنى العميق للروح التي تتجلى في التفاني، الشجاعة، والتضحية التي يتضمنها قرار الجهاد، وهو فتوى صدرت عن الشيخ حاشم أشعري في عام 1945.
هذه الفتوى دعت المسلمين إلى الجهاد، ليس فقط بمعناه الروحي، بل أيضًا بمعنى الجهاد البدني لمقاومة عودة المستعمرين. من خلال قرار الجهاد، وقف طلاب العلم والعلماء والمجتمع في مقدمة الصفوف للدفاع عن سيادة إندونيسيا، حيث أشعلوا المقاومة التي بلغت ذروتها في معركة كبرى في سورابايا، والتي تُعتبر رمزًا للبطولة والتضحية.
إن فهم قرار الجهاد من جوانب مختلفة – تاريخية، اجتماعية، أنثروبولوجية، سياسية، ودينية – هو خطوة مهمة لفهم كيف أن هوية السانتري (طلاب العلم) لا تقتصر على التعليم الديني فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا محوريًا في بناء الدولة والدفاع عن استقلالها. طلاب العلم ليسوا فقط مجاهدين في الفصول الدراسية، بل أيضًا في ميادين المعارك، بروح الجهاد التي تتجلى في سياق الدفاع عن الوطن.
يوم السانتري لا يقتصر على تذكر الماضي، بل يؤكد أيضًا على أن القيم التي زرعتها المدارس الدينية من الشجاعة والتفاني والكفاح لا تزال ذات صلة حتى اليوم. قرار الجهاد هو دليل حي على كيف يمكن للدين والوطنية أن يتكاملا لتحقيق أهداف الاستقلال والعدالة الاجتماعية.
إن الفهم الشامل لقرار الجهاد في سياق يوم السانتري يتطلب مقاربة من عدة جوانب: تاريخية، اجتماعية، أنثروبولوجية، سياسية، ودينية. فيما يلي شرح متعمق لكل جانب بناءً على كل تخصص:
١ المقاربة التاريخية
تم إصدار قرار الجهاد من قبل الشيخ حاشم أشعري، زعيم جمعية نهضة العلماء (NU)، في 22 أكتوبر 1945. في تاريخ إندونيسيا، كان هذا القرار لحظة هامة في الكفاح من أجل الحفاظ على الاستقلال. هذه الفتوى دعت المسلمين إلى الدفاع عن الوطن كجزء من الواجب الديني (الجهاد) ضد المستعمر الهولندي الذي كان يحاول العودة بعد إعلان الاستقلال.
في سياق يوم السانتري، نتذكر دور الطلاب الدينيين خلال حرب الاستقلال، وخاصة في معركة سورابايا التي قادها بونغ تومو. لم يكن طلاب العلم مشاركين فقط في المعركة الجسدية، بل كانوا أيضًا محركي الروح الجهادية في سبيل الله ضمن الكفاح من أجل استقلال إندونيسيا.
٢. المقاربة الاجتماعية
من وجهة النظر الاجتماعية، يعكس قرار الجهاد تعبئة اجتماعية هائلة. كانت الدعوة إلى الجهاد توحد مجتمع المدارس الدينية والعلماء، الذين كانوا يعتبرون جزءًا من المجتمع الديني، للمشاركة في الأجندة الوطنية. على المستوى الاجتماعي، أظهرت هذه الحركة أن هوية السانتري لا تقتصر على البعد الديني فقط، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضايا الوطنية والسياسية.
أصبح قرار الجهاد مثالًا على كيفية ترجمة القيم الدينية إلى حركة اجتماعية جماعية، حيث لعب طلاب العلم والعلماء دورًا كعوامل تغيير اجتماعي. أظهرت هذه الحركة قوة التضامن في المجتمع المسلم في مواجهة التهديدات التي تواجه سيادة الأمة.
٣. المقاربة الأنثروبولوجية
من وجهة نظر أنثروبولوجية، تُعد المدرسة الدينية كيانًا ثقافيًا يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل شخصية طلاب العلم. فقد ساهمت الثقافة التعليمية في المدرسة، التي تركز على الاستقلال والانضباط والتفاني للدين، في تكوين طلاب على استعداد للتضحية من أجل مصالح الوطن.
من خلال هذا المنظور، يمكن أن نرى أن القيم الثقافية المحلية قد تم دمجها في الكفاح الوطني. في جافا، على سبيل المثال، نال قرار الجهاد دعمًا واسعًا، حيث اعتبر طلاب العلم والمجتمع المحلي الجهاد جزءًا من الواجب الديني والتقاليد المحلية التي كانت متجذرة بقوة في الحياة اليومية.
٤. المقاربة السياسية
سياسيًا، كان لقرار الجهاد أهمية كبيرة. ففي فترة الثورة من أجل الاستقلال، كانت إندونيسيا تمر بأزمة سياسية، خاصة مع عودة قوات الحلفاء التي كانت مصحوبة بالقوات الهولندية. في هذا السياق، ساعد قرار الجهاد على إشراك العلماء وطلاب العلم في النضال السياسي الوطني.
أظهرت هذه الحركة أن الدين ليس له دور فقط في الحياة الروحية، بل هو أيضًا قوة سياسية مؤثرة. مشاركة طلاب العلم في معركة سورابايا، ومشاركة العلماء في صياغة الاستراتيجيات السياسية الوطنية، أظهرت أن السياسة الإسلامية في إندونيسيا كانت دائمًا تتقاطع مع الوطنية.
٥. المقاربة الدينية
من الناحية الدينية، استند قرار الجهاد إلى مفهوم الجهاد الذي يُعتبر من الناحية اللاهوتية واجبًا على المسلمين في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها الدين والوطن. لم يدع القرار فقط إلى الدفاع عن الدين، بل أيضًا إلى حماية سيادة الأمة. وقد استُخدم مفهوم الجهاد هنا في سياق الجهاد الدفاعي، حيث كان الدفاع عن الوطن جزءًا من الواجب الديني.
في الاحتفال بيوم السانتري، تبقى هذه البُعد الدينية ذات أهمية كبيرة. يُذكر طلاب العلم ليس فقط كمتعلمين دينيين، بل أيضًا كمجاهدين يدركون أن مسؤوليتهم كمسلمين تشمل أيضًا التفاني للوطن.
الخلاصة
إحياء يوم سانتري من خلال فهم قرار الجهاد هو جهد لتذكر نضال سانتري والعلماء في الدفاع عن استقلال إندونيسيا. من خلال المنهج التاريخي، نفهم سياق نضالهم. يُظهر المنهج السوسيولوجي والأنثروبولوجي كيف لعبت المدارس الإسلامية والمجتمعات المسلمة دورًا مهمًا في الحركة الاجتماعية. يؤكد المنهج السياسي على المشاركة الفعالة للسانتري في السياسة الوطنية. في حين يُظهر المنهج الديني كيف يُفهم الجهاد كواجب ديني ووطني.
وبذلك، فإن يوم سانتري ليس مجرد إحياء لدور السانتري في الماضي، بل هو أيضًا تأمل حول كيفية استمرار القيم الدينية والوطنية والاجتماعية في كونها ذات صلة في بناء الأمة الإندونيسية.
يوم سانتري ليس مجرد تكريم للماضي، بل هو أيضًا تذكير لنا جميعًا بأهمية الحفاظ على قيم النضال والوطنية والإخلاص التي ورثها السانتري والعلماء. لقد أثبت قرار الجهاد أن السانتري هم عمود مهم في نضال الدفاع عن سيادة الأمة، وأن مساهماتهم تتجاوز مجرد تعليم الدين—فهم حراس وحدة إندونيسيا.
عندما نحتفل بيوم سانتري، دعونا نعيد التفكير في روح الجهاد في سياق أوسع—الجهاد بمعنى النضال من أجل الخير والعدالة والرفاهية للأمة. هذه الروح ليست ذات صلة فقط في أوقات الحرب، ولكن أيضًا في بناء أمة ذات سيادة وعادلة ومزدهرة.
من خلال الاقتداء بشجاعة وثبات وتضحيات السانتري، يمكننا تعزيز الالتزام بمواصلة المساهمة في الوطن، وفقًا لمجالاتنا الخاصة. يُعد قرار الجهاد تذكيرًا دائمًا بأن النضال من أجل الاستقلال والعدالة والوحدة يجب أن يستمر في كل خطوة وعمل نقوم به. دعونا نجعل يوم سانتري لحظة لمواصلة النضال، وحب هذا الوطن، وبنائه بكل قلوبنا.
قائمة المراجع
١. أنام، خيرول. قرار الجهاد: دور الكيائي والسانتري في الدفاع عن الاستقلال. جاكرتا: مكتبة ألفابت، 2018
فالي، غريغ. اجتهاد سياسي العلماء: تاريخ منظمة نهضة العلماء 1952-1967. يوجياكارتا: LKiS، 2003. ٢
رايس، أ.، وواحيد، أ. السانتري والتغيير الاجتماعي. يوجياكارتا: LKIS، 2000. ٣
٤. ريكلفس، م.س. تاريخ إندونيسيا الحديث 1200-2008. جاكرتا: سيرامبي، 2008
٥. سوريانغارا، أحمد منصور. نار التاريخ: دور العلماء في تشكيل دولة جمهورية إندونيسيا. جاكرتا: سلامداني، 2010
٦. واحيد، عبد الرحمن. إسلامي، إسلامك، إسلامنا: دين المجتمع في دولة ديمقراطية. جاكرتا: معهد وحيد، 2006