بقلم الدكتور عبد الودود نفيس
في الحياة اليومية، يلعب التواصل دورًا حيويًا في بناء العلاقات بين الناس. بالنسبة للمسلم، التواصل ليس مجرد حديث أو تبادل للمعلومات، بل هو أيضًا جزء من العبادة التي تحكمها قيم أخلاقية عالية. أخلاقيات التواصل في الإسلام توجه المسلمين للتفاعل بطريقة جيدة، صادقة، وحكيمة للحفاظ على الوئام والسلام في المجتمع.
يعلم الإسلام أن كل كلمة تُقال تحمل مسؤولية. لذلك، يجب على المسلم أن يكون حذرًا في كلامه، لأن الكلام الخاطئ يمكن أن يجلب الضرر سواء على نفسه أو على الآخرين. كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يذكّر بأهمية حفظ اللسان، لأنه يحمل في طياته إمكانيات للخير أو الشر العظيم.
من خلال توجيهات أخلاقيات التواصل هذه، يوفر الإسلام طريقًا واضحًا لأمته لبناء تواصل فعال، مليء بالاحترام، ومفيد. بتطبيق مبادئ مثل الصدق، اللطف، والتواضع في الكلام، يمكن أن يصبح التواصل وسيلة لتعزيز العلاقات بين الأفراد وخلق مجتمع متناغم.
إن أخلاقيات التواصل في الإسلام مهمة للغاية للحفاظ على الانسجام في العلاقات بين الأفراد والمجتمع. يقدم الإسلام إرشادات واضحة حول كيفية تحدث المسلمين وتفاعلهم مع بعضهم البعض. فيما يلي شرح أكثر تفصيلًا حول أخلاقيات التواصل في الإسلام:
١ الصدق (قول الحق)
الصدق هو أحد الأسس الرئيسية في الإسلام. في التواصل، يجب على المسلم أن يقدم المعلومات بصدق وألا يكذب. يأمر الله تعالى بالصدق لأن الكذب يدمر الثقة والعلاقات. كما قال الله تعالى في سورة البقرة: 42، “وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.”
في التواصل، لا يعني الصدق فقط تجنب الكذب، بل يعني أيضًا تجنب التلاعب أو تضليل الآخرين.
٢ قول معروف (الكلام الطيب)
يحث الإسلام على القول الحسن وتجنب إيذاء الآخرين بالكلام. الكلام الطيب يعزز الاحترام والمحبة، بينما الكلام الجارح قد يثير العداوة. كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب: 70، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا.”
يشمل القول المعروف أيضًا تجنب الكلمات النابية، الشتائم، أو الإهانات التي تحط من كرامة الآخرين.
٣ التواضع (التواضع في الكلام)
يعلم الإسلام المسلم أن يتحدث بتواضع دون تكبر. فالتكبر في الكلام يفسد التواصل لأنه يخلق انطباعًا بالغرور وعدم احترام الطرف الآخر. كما قال الله تعالى في سورة لقمان: 18-19، “وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.”
التواضع يعني أيضًا الاستماع للطرف الآخر باهتمام وعدم السيطرة على المحادثة.
٤ قول بليغ (الكلام الواضح والمباشر)
يعني القول البليغ الكلام الواضح والمباشر دون الالتفاف أو التعقيد، بحيث يمكن للطرف الآخر فهم الرسالة بشكل جيد. الكلام البليغ مهم في تقديم النصائح، الأوامر، أو المعلومات لتجنب سوء الفهم. قال الله تعالى في سورة النساء: 63، “وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا.”
يشمل التواصل الواضح أيضًا تقديم المعلومات بحكمة، واختيار الكلمات المناسبة، والتأكد من أن الرسالة مفهومة بوضوح من الطرف الآخر.
٥ قول كريم (الكلام المهذب)
يحث الإسلام المسلمين على التحدث مع احترام لكرامة الآخرين. القول الكريم يعني الكلام الذي يتسم بالاحترام، اللطف، والرقة، خصوصًا عند التحدث مع الوالدين أو من هم أكبر سنًا. قال الله تعالى في سورة الإسراء: 23، “وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا.”
احترام الآخرين في التواصل يعني عدم مقاطعة الحديث، عدم التقليل من شأن الآخرين، وإظهار التعاطف والاحترام.
٦ تجنب الغيبة والنميمة
الغيبة والنميمة من الكبائر المتعلقة بالكلام. الغيبة هي التحدث عن الآخرين بالسوء في غيابهم، بينما النميمة تعني نشر الفتنة أو الإشاعات الكاذبة. قال الله تعالى في سورة الحجرات: 12، “وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.”
تجنب الغيبة والنميمة هو جزء من الحفاظ على كرامة المسلمين الآخرين وبناء مجتمع صحي مليء بالثقة.
٧ الصبر وضبط النفس
الصبر هو أحد الأخلاق التي يجب أن يمتلكها المسلم في التواصل. عند مواجهة اختلافات في الرأي أو مواقف غير مرضية، يجب على المسلم أن يظل هادئًا ولا يستعجل الغضب. قال النبي صلى الله عليه وسلم، “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.” (رواه البخاري ومسلم).
ضبط النفس والصبر في الحديث يعكس الذكاء العاطفي ويجنب التواصل من الصراعات غير الضرورية.
٨ عدم التحدث في الأمور التافهة
يقدر الإسلام الوقت والكلام. لذلك، يُنصح المسلم بالتحدث في الأمور المفيدة فقط وتجنب الحديث في الأمور التافهة أو غير المفيدة. ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.” (رواه الترمذي).
هذا يعني أن في التواصل، يجب التفكير في كل كلمة تُقال وفائدتها على الشخص نفسه وعلى الآخرين. الحديث في الأمور التافهة لا يجلب سوى إهدار للوقت والطاقة دون فائدة.
في المجمل، تهدف أخلاقيات التواصل في الإسلام إلى الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الآخرين، وزرع المحبة، وتجنب الصراعات. بتطبيق هذه المبادئ، يصبح التواصل وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية وبناء مجتمع يتسم بالاحترام المتبادل والوئام.
في الختام، أخلاقيات التواصل في الإسلام ليست مجرد قواعد، بل هي انعكاس للإيمان وأخلاق المسلم. الكلام الطيب، الصادق، والمليء بالمحبة يمكن أن يجلب البركة ويحافظ على الوئام في كل علاقة. التواصل الذي يستند إلى القيم الإسلامية له قوة كبيرة في توحيد القلوب، حل النزاعات، وبناء مجتمع أكثر سلامًا وخيرًا.
لذلك، دعونا نجعل كل كلمة نقولها دعاءً وحقلًا للأجر، مع الحرص على حفظ ألسنتنا من الأمور التافهة والضارة. باتباعنا لأخلاقيات التواصل التي علمنا إياها الإسلام، يمكننا تحسين العلاقات الاجتماعية وتقربنا من الله سبحانه وتعالى. لأن من اللسان المحفوظ، تنبثق الأخلاق الحميدة التي تعكس صورة المسلم الحقيقي.
قائمة المراجع
١ القرآن الكريم
٢ لغزالي، أبو حامد. “إحياء علوم الدين”. بيروت: دار الكتب العلمية، 2005
٣ البخاري، الإمام. “صحيح البخاري”. الرياض: دار السلام، 1997
٤ مسلم، الإمام. “صحيح مسلم”. الرياض: دار السلام، 2007
٥ القرضاوي، يوسف. “خلق المسلم”. القاهرة: مكتبة وهبة، 1996
٦ ناصوتيون، هارون. “الإسلام من منظور جوانب متعددة”. جاكرتا: جامعة إندونيسيا، 1985
٧ شهاب، محمد. “تفسير المصباح: رسالة، انطباعات، وتوافقات القرآن”. جاكرتا: دار الهداية، 2007
٨ السعدي، عبد الرحمن بن ناصر. “تفسير السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”. الرياض: مؤسسة الرسالة، 2000
٩ الجرجاني، علي بن محمد. “التعريفات”. بيروت: دار الكتب العلمية، 1985
١ القرضاوي، يوسف. “الأخلاق الاجتماعية في الإسلام”. جاكرتا: دار الفكر الإسلامي، 2002.