بقلم الدكتور عبد الودود نفيس
تستعد إندونيسيا حاليًا لاستقبال عصر “إندونيسيا الذهبية 2045″، وهو الذكرى المئوية للاستقلال، والتي يُؤمَل أن تكون نقطة انطلاق نحو مجد الأمة. ولتحقيق ذلك، لا بد من إعداد جيل شاب يتمتع بالذكاء العقلي، والقوة الروحية، والأخلاق الحميدة، والشخصية القيادية الراسخة. وفي هذا السياق، تُعدُّ المدارس الدينية (البِسَنتْرِن) من أقدم وأهم المؤسسات التعليمية في بناء هذا الجيل.
باعتبارها مؤسسة تعليمية تقوم على القيم الإسلامية، فإن المدارس الدينية تتميز في تعليم الطلاب (السانتري) بطريقة شاملة تشمل العقل والقلب والسلوك. فبالإضافة إلى دراسة العلوم الدينية، يُدرَّب الطلاب على الاستقلالية، والتفكير النقدي، والاهتمام الاجتماعي. ومن خلال دمج المناهج الدينية التقليدية مع المناهج الحديثة، والاعتماد على منهجية قوية في بناء الشخصية، أثبتت المدارس الدينية قدرتها على تخريج أفراد متميزين مستعدين لقيادة تقدم الأمة.
فما هي الاستراتيجيات التي تتبعها المدارس الدينية في تشكيل هذا الجيل الذهبي؟ إليكم عرضًا منهجيًا:
١. تعزيز التعليم الديني وبناء الشخصية
تغرس المدارس الدينية القيم الإسلامية كقاعدة أساسية لبناء شخصية الطالب. من خلال دراسة الكتب التراثية (الكتاب الأصفر)، وتعزيز الأخلاق، والاقتداء بالعلماء والمعلمين، يتم تنشئة الطالب على الاستقامة، والصدق، وتحمل المسؤولية، والتحلي بالأخلاق الحميدة. وهذا التعليم لا يقتصر على الجانب النظري، بل يُمارس في الحياة اليومية، مما يكوِّن شخصية قوية وخلوقة.
٢. دمج المنهج الديني مع المنهج العام
من أجل إعداد الطلاب لمواجهة التحديات العالمية، تسعى العديد من المدارس الدينية إلى دمج المناهج الدينية مع المناهج الوطنية. فبالإضافة إلى تعلم التفسير والفقه والحديث، يتعلم الطلاب مواد مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية. وهذا الدمج يخرج طلابًا متدينين ومثقفين في آنٍ واحد.
٣. تمكين الثقافة الرقمية والقرائية
في عصر الرقمنة، تطور المدارس الدينية مهارات الطلاب في التكنولوجيا الرقمية. ويُشجع الطلاب على التعرف على الحاسوب، ووسائل التواصل، وحتى البرمجة والتصميم. كما تُعزز مهارات القراءة والكتابة والحساب من أجل بناء تفكير نقدي وإبداعي. وهذه خطوات مهمة لضمان مواكبة طلاب المدارس الدينية للعصر.
٤. تنمية روح ريادة الأعمال والاستقلالية
تُزود العديد من المدارس الدينية طلابها بمهارات الحياة من خلال أنشطة ريادة الأعمال كالفلاحة، وتربية المواشي، والتجارة، وإدارة المشاريع. وتهدف هذه الأنشطة إلى غرس روح الاعتماد على النفس، والريادة الأخلاقية، وخدمة المجتمع.
٥. تنمية القيادة وحس المواطنة
توفر المدارس الدينية فرصًا لبناء القيادة من خلال التنظيمات الطلابية، والتدريب القيادي، والأنشطة الاجتماعية. كما يُغرس في الطلاب حب الوطن، والتسامح، واحترام وحدة الدولة، ليصبحوا قادة وطنيين يعتزون بمبادئ “بانجاسيلا” ووحدة إندونيسيا.
٦. تطوير المواهب والقدرات الفردية
لكل طالب موهبة فريدة. وتعمل المدارس الدينية على تطوير هذه المواهب من خلال أنشطة لا منهجية مثل فن الخطابة باللغتين العربية والإنجليزية، والرياضة، والفنون الثقافية. ويُوجه الطالب لاكتشاف قدراته والمساهمة في مجاله الخاص.
٧. تعزيز الصحة النفسية والروحية
القوة الأساسية للمدارس الدينية تكمن في التربية الروحية العميقة. من خلال الصلاة الجماعية، وقيام الليل، والصيام التطوعي، والذكر، ودروس التصوف، يُدرَّب الطلاب على التحمل النفسي والعاطفي. وهذا أمر ضروري لمواجهة التحديات والانحرافات في العصر الحديث.
الخاتمة
من خلال هذه الاستراتيجيات، تؤدي المدارس الدينية دورًا استراتيجيًا في إعداد الجيل الذهبي المتفوق في الدين، والعلم، والمهارات، والقيادة. هذا هو الجيل الذي سيكون دعامة لإندونيسيا الذهبية 2045.
المراجع
١. أزرا، أ. (٢٠١٢). التعليم الإسلامي: التقاليد والتحديث نحو الألفية الجديدة. جاكرتا: كينشان برينادا ميديا جروب.
٢. هداية الله، م. ف. (٢٠١٧). استراتيجيات التربية الأخلاقية في المدارس الدينية. مجلة التربية الإسلامية، ١٤(١)، ٤٥–٦٠.
٣. معارف، س. (٢٠٢٠). تحديث المدارس الدينية وتحديات عصر ٤.٠. مجلة التربية، ١٦(٢)، ١٢٣–١٣٥.
٤. مفتاح، م. (٢٠١٩). دور المدارس الدينية في بناء شخصية الأمة. مجلة التربية والثقافة، ٢٤(٣)، ٢٩٥–٣١٠.
٥. ناتا، أ. (٢٠٠٣). التعليم الإسلامي في إندونيسيا: التاريخ والفكر. جاكرتا: لوجوس واكانا إلمو.
٦. نورفؤادي، أ. (٢٠٢١). رقمنة المدارس الدينية نحو إندونيسيا الذهبية. مجلة التربية الإسلامية، ١٠(٢)، ٢١٠–٢٢٥.
٧. سويدي، وألفه، هـ. م. (٢٠٢٠). التربية الأخلاقية في المدارس الدينية: إعداد الجيل الذهبي 2045. باندونج: روسدا.
٨. القانون رقم ١٨ لعام ٢٠١٩ بشأن المدارس الدينية في جمهورية إندونيسيا.
٩. واحد، م. (٢٠١٨). تعزيز المنهج المتكامل في المدارس الدينية لتحقيق جيل متميز. مجلة الفكر الإسلامي، ٢٣(١)، ٧٧–٩٢.