مخاطر لحم الخنزير من منظور طبي


بقلم الدكتور عبد الودود نفيس

على الرغم من أن طعمه محبوب في العديد من البلدان، إلا أن لحم الخنزير يخفي خلفه عددًا من المخاطر الصحية التي من الضروري التعرف عليها. ففي المجال الطبي، لا يُنظر إلى استهلاك لحم الخنزير على أنه قضية دينية أو ثقافية فحسب، بل باعتباره تهديدًا حقيقيًا لصحة الإنسان – بدءًا من العدوى الطفيلية والبكتيرية، وصولًا إلى خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
تتناول هذه المقالة باختصار وعمق أبرز مخاطر لحم الخنزير من زاوية طبية، بهدف توعية المجتمع ليكون أكثر حرصًا وحكمة في استهلاك هذا النوع من اللحوم والتعامل معه.

في الطب، لا يُعد الخنزير خطرًا بطبيعته كحيوان، بل تكمن الخطورة في لحمه، خاصةً إذا لم يُطه بشكل جيد. وفيما يلي أبرز المخاطر من منظور طبي:

١. العدوى الطفيلية – داء الشعرينات (التريخينيلات)

اللحم النيئ أو غير المطهو جيدًا قد يحتوي على طفيلي Trichinella spiralis، الذي يسبب داء التريخينيلات. وتشمل أعراضه: آلام العضلات، الحمى، الإسهال، وتورم الوجه، خاصة حول العينين. وفي الحالات الشديدة، قد يصيب الطفيلي أعضاء حيوية مثل القلب والجهاز العصبي.

٢. عدوى الديدان الشريطية – التنيا وداء الكيسات المذنبة العصبي

يمكن أن يكون الخنزير وسيطًا لديدان Taenia solium الشريطية. وعند تناول الإنسان للحوم ملوثة، قد يصاب بداء التنيا. وإذا وصلت اليرقات إلى الدماغ، فقد تتسبب في داء الكيسات المذنبة العصبي، وهو مرض قد يؤدي إلى نوبات صرع، واضطرابات عصبية خطيرة، بل وحتى الوفاة.

٣. العدوى البكتيرية الخطيرة

من بين البكتيريا الشائعة في لحم الخنزير النيئ:

السالمونيلا (Salmonella spp.): تسبب الإسهال، القيء، والحمى.

يرسينيا إنتيروكوليتيكا (Yersinia enterocolitica): قد تسبب الحمى وآلامًا في البطن تشبه التهاب الزائدة الدودية.

الليستيريا مونوسيتوجينيس (Listeria monocytogenes): خطيرة جدًا على النساء الحوامل، إذ قد تؤدي إلى الإجهاض أو إصابة الجنين بالعدوى.o

ويمكن أن تؤدي هذه البكتيريا إلى التسمم الغذائي في حال عدم طهي اللحم جيدًا.

٤. داء المقوسات – خطر خاص على الحوامل

قد يحتوي لحم الخنزير النيئ على طفيلي Toxoplasma gondii. وعادة ما تكون العدوى غير مصحوبة بأعراض لدى الأصحاء، لكنها خطيرة جدًا على النساء الحوامل، إذ قد تسبب الإجهاض أو تشوهات خلقية. كما أن الأشخاص ضعيفي المناعة معرضون لخطر كبير.

٥. التهاب الكبد E من كبد الخنزير

الكبد النيئ أو غير المطهو جيدًا قد يحتوي على فيروس التهاب الكبد E. وتُعد هذه العدوى خطيرة خصوصًا على الحوامل أو من يعانون من ضعف الجهاز المناعي.

٦. نسبة عالية من الدهون والكوليسترول

لحم الخنزير – خاصة الأجزاء الدهنية أو الجلد – يحتوي على نسب مرتفعة من الدهون المشبعة والكوليسترول. والإفراط في تناوله قد يؤدي إلى:

أمراض القلب التاجية

السمنة

ارتفاع ضغط الدم

السكري من النوع الثاني

ورغم احتوائه على بعض العناصر الغذائية، إلا أن استهلاكه يجب أن يكون تحت رقابة.

٧. مقاومة المضادات الحيوية بسبب مزارع التربية المكثفة

في مزارع الخنازير الحديثة، تُستخدم المضادات الحيوية بشكل واسع للوقاية من الأمراض وتسريع النمو. وقد تبقى بقايا هذه المضادات الحيوية في اللحم، وتنتقل إلى جسم الإنسان، مما قد يسبب مقاومة المضادات الحيوية – وهي حالة تصبح فيها الأدوية غير فعالة ضد العدوى.

٨. خطر الأمراض الحيوانية المنشأ – مثال: إنفلونزا الخنازير (H1N1)

سبق أن كانت الخنازير مصدرًا لأمراض حيوانية المنشأ، مثل إنفلونزا الخنازير (H1N1)، وهو فيروس ناتج عن مزيج من فيروسات الخنازير والطيور والبشر. وقد تسبب هذا الفيروس في جائحة عالمية، مما يثبت أن الحيوانات مثل الخنازير يمكن أن تكون مصدرًا لطفرات فيروسية خطيرة.

الخاتمة

إن مخاطر لحم الخنزير من منظور طبي لا تكمن في الحيوان ذاته، بل في الأمراض المحتملة الناتجة عن التعامل غير الآمن مع لحمه واستهلاكه. من العدوى الطفيلية والبكتيرية، إلى الأمراض المزمنة ومقاومة المضادات الحيوية، جميعها تؤكد أهمية النظافة الغذائية والرقابة الصحية.
لذا، من الضروري رفع مستوى وعي المجتمع علميًا بعيدًا عن الأحكام المسبقة أو المعتقدات وحدها. وبفهم طبي دقيق، يمكننا أن نكون أكثر وعيًا في حماية صحتنا واختيار غذائنا بطريقة آمنة.

المراجع

١. مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). (2020). الطفيليات – داء الشعرينات.

٢. منظمة الصحة العالمية (WHO). (2021). الأمراض الحيوانية المنشأ.

٣. مايو كلينيك. (2022). داء الكيسات المذنبة العصبي.

٤. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO). (2019). نظافة اللحوم وفحصها: لحم الخنزير.
O
٥. مراكز السيطرة على الأمراض (CDC). (2019). التهاب الكبد E – الأسئلة الشائعة.

٦. منظمة الصحة العالمية (WHO). (2020). مقاومة المضادات الحيوية.

٧. Scallan, E., et al. (2011). الأمراض المنقولة بالغذاء في الولايات المتحدة. Emerging Infectious Diseases, 17(1), 7–15.

٨. Montoya, J. G., & Liesenfeld, O. (2004). داء المقوسات. The Lancet, 363(9425), 1965–1976.
٩. المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH/OIE). (2021). إنفلونزا الخنازير.

Tinggalkan Balasan

Alamat email Anda tidak akan dipublikasikan. Ruas yang wajib ditandai *