بقلم الدكتور عبد الودود نفيس
إن حفظ القرآن الكريم ليس مجرد إنجاز فكري، بل هو رحلة روحانية عميقة. إن حفّاظ القرآن، الذين يُطلق عليهم غالبًا “الحافظ” أو “الحافظة”، يحملون في أنفسهم ليس فقط كلام الله المقدس، بل أيضًا مسؤولية كبيرة لتجعل أخلاق القرآن الكريم منهجًا لحياتهم. إنهم كالمصابيح التي تشع نور الخير من آيات الله في كل أفعالهم. لا تنعكس أخلاق حافظ القرآن من خلال الحفظ الذي يمتلكونه فحسب، بل من كل كلمة ينطقون بها، وكل موقف يظهرونه، وكل قرار يتخذونه.
في الحياة الاجتماعية، يُنتظر من حافظ القرآن أن يكون قدوة يُحتذى بها، ليس فقط بسبب قدرته على الحفظ، بل بالأخص بسبب سلوكه الذي يعكس قيم القرآن الكريم. كم هو جميل أن يرى المجتمع حافظًا لا يقتصر على التلاوة الفصيحة، بل يكون رقيقًا في حديثه، متواضعًا، صبورًا، ويحافظ دائمًا على الإخلاص في كل خطواته.
مع الأخلاق الحميدة، يصبح حفّاظ القرآن تجسيدًا حقيقيًا للقيم الإلهية التي تحتويها كل آية يحفظونها. أخلاقهم لا تكون زينة شخصية فحسب، بل تصبح منارة لغيرهم، توضح الطريق نحو حياة مليئة بالبركة والسلام ورضا الله.
تعكس أخلاق حفّاظ القرآن الكريم القيم السامية التي يتم ترسيخها من خلال استيعاب القرآن الكريم، سواء في الجانب الروحي أو الاجتماعي. فيما يلي بعض الخصائص الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها حفّاظ القرآن:
١. التقوى: من خلال حفظ القرآن، يجب على الحافظ أن يكون أكثر تقوى بتنفيذ كل أوامر الله وتجنب نواهيه، سعيًا لرضاه، مع الحرص على تحسين جودة عبادته
٢. التواضع: لا ينبغي لحافظ القرآن أن يشعر بالكبرياء بسبب قدرته. على العكس، يجب أن يكون متواضعًا ويعترف بأن العلم والقدرة التي يمتلكها هي نعمة من الله.
٣. الاستقامة: يتطلب حفظ القرآن الاجتهاد والانضباط. ينبغي أن يتمكن حافظ القرآن من الحفاظ على استقامته في الحفظ وتطبيق القرآن في حياته اليومية
٤. الأمانة: يُعتبر حفّاظ القرآن حُرّاسًا لكلام الله. وبالتالي، يجب عليهم الحفاظ على هذه الأمانة بتطبيق محتواه وتعليمه بشكل صحيح
٥. الصبر: عملية حفظ القرآن ليست بالأمر السهل. يتطلب الأمر صبرًا عاليًا في الحفظ، والمحافظة على ما تم حفظه، والتعامل مع الاختبارات والتحديات
٦. الأدب: يجب أن يتسم حفّاظ القرآن بالاحترام في تفاعلهم مع الآخرين، سواء في كلامهم أو أفعالهم، وفقًا لتعاليم القرآن
٧. الإخلاص: يجب أن يكون نية حفظ القرآن خالصة لوجه الله، وليس للحصول على المديح أو الاعتراف من الآخرين
الاعتراف من الآخرين
٨. المسؤولية الأخلاقية: من المتوقع أن يكون حفّاظ القرآن قدوة حسنة للمجتمع، تعكس تعاليم القرآن في أفعالهم اليومية
هذه الأخلاق هي تجسيد للتأمل العميق في القرآن الكريم الذي لا يُحفظ نصيًا فقط، بل يُطبق في السلوك
في النهاية، حفّاظ القرآن ليسوا فقط حاملي الحفظ، بل هم حُرّاس للأخلاق النبيلة التي ترشدهم في حياتهم. من خلال جعل القرآن الكريم منهجًا، لا يصبحون فقط أشخاصًا علماء، بل يصبحون نورًا لمجتمعهم. نسأل الله أن تكون الأخلاق السامية التي يطبقونها مصدر إلهام لنا جميعًا لنقترب من القرآن الكريم ونحيي قيمه في كل خطوة من خطوات حياتنا
المراجع
الغزالي، إحياء علوم الدين. ترجمة. جاكرتا: مكتبة أماني، 2019.
يوسف القرضاوي. بناء الأخلاق الإسلامية: أسس الأخلاق في الإسلام. جاكرتا: مكتبة الكوثر، 2002.
ابن القيم الجوزية. أخلاق حفّاظ القرآن: نصائح لطلاب العلم وحفّاظ القرآن. جاكرتا: مكتبة الإنابة، 2017.
محمد قريش شهاب. تقريـب القرآن إلى الأرض: دور الوحي في حياة المجتمع. باندونغ: ميزان، 2007.
كومارودين هداية. علم النفس الديني: كشف الجوانب الدينية للإنسان. جاكرتا: برامادينا، 2015.